Charbel El Ghawi Sawt El Fan

.

شربل الغاوي صوت الفن

ممنوع الغلط… فيلم لا يضحك ولا يريد أن يبكي – شربل الغاوي

فيلم ممنوع الغلط

ممنوع الغلط… فيلم لا يضحك ولا يريد أن يبكي – شربل الغاوي

بعض الأفلام تُولَد من رغبةٍ في الإضحاك، لكنها تنتهي وهي تضحك على نفسها.

«ممنوع الغلط» ليس عملًا سيئًا، بل محاولة متعبة لإعادة اختراع الكوميديا في زمنٍ تغيّرت فيه قواعد الضحك. فيلم أراد أن يكون خفيف الظل، فانتهى وهو يحمل ظلّ الفكرة أكثر من نورها.

النصّ… توقيع ناصر فقيه بين الفكرة والتنفيذ

النصّ من تأليف ناصر فقيه، وهو اسمٌ يعرفه الجمهور من أعمالٍ ساخرةٍ ذكية تجمع بين النقد والجرأة. لكن في هذا العمل، لا نرى النكات المباشرة ولا الحوار الساخر، بل فكرة تدور حول عملية نصبٍ ضخمة على جوهرجي بملايين، قُدّمت ضمن قالبٍ يحاول أن يمزج بين الجديّة والكوميديا السوداء.

المشكلة أنّ السيناريو لم ينجح في تثبيت هذه النغمة المزدوجة، فبدا وكأنّ الممثلين يحاولون تعديل أدائهم ليتناسب مع تصنيفٍ يُفترض أنه “كوميديا سوداء”، فيخفّفون من الجديّة ليظهر المشهد كأنه ساخرٌ من الواقع، لا معيشٌ فيه.

هذه المحاولة، رغم نبلها فنّياً، أوقعت بعض المشاهد في التباسٍ نغمي: فلا الضحك حاضر تمامًا، ولا الجديّة مكتملة، بل مساحة رمادية بين الاثنين، حيث لا يُعرف هل المطلوب أن نبتسم أم نتفكّر.

الإخراج… رندة علم وحدود المنصّة

رندة علم حاولت أن تمنح العمل روحًا مختلفة، لكنّ طبيعة العرض على المنصّة فرضت عليها قيودها.

فالفيلم يُعرض بطريقة “الريلز”، أي عبر مقاطع قصيرة الإيقاع، محدودة الزمن، ما جعل التصوير والمونتاج أسرع من المعتاد وأقرب إلى لغة المحتوى الرقمي منه إلى لغة السينما.

الإضاءة مشبعة، الكادرات متقاربة، والمشاهد مصمّمة لتُشاهَد متقطعة.

هذه المقاربة منحت الفيلم شكلاً عصريًا، لكنها سلبته بعض عمقه الإنساني، إذ أصبح الإخراج محكومًا بإطار المنصّة لا بحرّية الكاميرا.

الأداء… بين التلوين والتوازن

كميل متّى قدّم أداءً صادقًا ومتماسكًا بدور الجوهرجي «رامي». بدا في كل لحظة واقعيًا ومقنعًا، من دون أن يفتعل شيئًا. غير أنّ المشهد الأخير، حين اكتشف النصب، جاء كرتونيًا في معالجته البصرية، خصوصًا مع استخدام تأثير “الدوار” وازدواج الصورة كوسيلة للتعبير، فخسرت اللحظة قوتها.

ربيع الأحمر في دور «هادي» كان متقنًا ومتماسكًا، يحمل كاريزما هادئة ويعرف كيف يترك أثره في كل لقطة، لكنه أُجبر هو الآخر على السير في خطّ الأداء نصف الجديّ، نصف الساخر، كما أراده السيناريو.

يارا بو منصف كانت حضورًا أنيقًا ومتّزنًا، قدّمت شخصية المرأة الكلاس بذكاء وبساطة، استطاعت أن تضيف للمشهد لمسة واقعية وسط الأداء المعلّق بين الجدية والمفارقة.

مونيكا خزام أدّت دورها القصير بلباقة، لم يكن حضورها طويلاً لكنه ترك أثرًا بصريًا واضحًا في توازن المشاهد.

بين النية والنتيجة… كوميديا سوداء لم تكتمل

«ممنوع الغلط» لا يُضحك ولا يبكي، بل يُفكّر بصوتٍ عالٍ في مفهوم الكوميديا السوداء.

هو فيلم يحمل فكرة تستحق، لكنه لا يملك الجرأة الكاملة لتنفيذها حتى النهاية.

الممثلون حاولوا ترجمة النغمة المطلوبة، لكن السيناريو لم يمنحهم مساحةً كافية لتوحيد هذا الاتجاه، فبدا كلّ منهم يعيش تصوّره الخاص عن “الكوميديا السوداء”.

وهنا وقع الفيلم في فخّ النصف: نصف جدي، نصف ساخر، بلا ضحكةٍ ولا دمعةٍ كاملة.

الخاتمة… حين تتردّد الكوميديا أمام مرآتها

العمل يملك نية فنية محترمة، لكنه يبقى حبيس محاولته.

كأنّ الكوميديا السوداء فيه لم تُخلق لتسخر من الواقع، بل لتخاف أن تقترب منه أكثر من اللازم.

الضحك في «ممنوع الغلط» ليس غائبًا، بل خجولًا، يقف على باب الفكرة ولا يدخلها.

وحين تُحبس الكوميديا بين جدّية النصّ وحدود المنصّة، لا يبقى سوى ضوءٌ جميل يلمع من بعيد، بلا حرارةٍ تضحك أو تُبكي.

شربل الغاوي

مخرج – صحافي وناقد سينمائي