
فيلم إمرأة إلى القمّة… حين يصبح الطموح سلّماً مكسوراً نحو الهاوية – شربل الغاوي
هناك حكايات تُروى لتُلهم، وأخرى تُكتب لتفضح الوجه المخفيّ للطموح حين يتحوّل من رغبة صادقة إلى جشعٍ يلتهم صاحبه. فيلم «إمرأة إلى القمّة» ينتمي إلى الفئة الثانية: عملٌ يبدو في ظاهره بسيط الفكرة، لكنّه يختبئ خلف أسئلته الأخلاقية الثقيلة، مُحمّلاً بوجوهٍ مُتعبة تبحث عن خلاصٍ سهل وسط عالمٍ لا يقدّم شيئاً مجاناً.
منذ المشهد الأول، ندرك أننا أمام قصة تدور في زمنٍ سريع ومضغوط… ستة أشهر فقط، تكفي لأن تتغيّر حياة «ملك»، وتلتفّ حبال الطموح حول عنقها وعنق من حولها. الزمن هنا ليس مجرّد إطار؛ بل هو تذكير أنّ حياتنا اليوم تُبنى وتنهار بالسرعة نفسها التي تُكتب فيها رسائل الهاتف.
ملك… امرأة تريد كلّ شيء دفعة واحدة
تجسّد تانيا فخري شخصية «ملك» بملامح امرأة لا تكتفي بما لديها، امرأة ترى الباب موارباً فتدفعه بكتفها، وإن كسرته لا مشكلة. حضورها متماسك، صادق، وفيه ذاك الوميض الذي يميّز ممثلة تعرف كيف تُمسك بالانهيار الداخلي دون أن تصرخ. أداؤها ليس استعراضاً، بل نبضٌ حقيقي لامرأة تُصارع بين قيمها وما تتخيّله «فرصتها الذهبية».
ياسر… رجلٌ يحبّ ولا يعرف كيف يحمي نفسه
في دور «ياسر»، يقدّم جان دكاش شخصية الشاب الذي يحبّ زوجته لكنه يجد نفسه في لعبة أكبر منه. شابٌّ يُطلَب منه أن يتقرب من امرأة أخرى باسم المصلحة، فيقدّم جان الدور بخجلٍ داخليّ وصراعٍ مكتوم، ونظرات تكشف أنّه ليس من هذا النوع من الرجال، لكنه أيضًا ليس من النوع الذي يعرف كيف يقول «لا» في اللحظة الصحيحة. هذا التردّد، وهذا الانكسار النظيف، يمنح الشخصية صدقها.
مروى… سلطة الكرسي الذي يحرق
أما ساندي فرح فتؤدّي «مروى» صاحبة الشركة بصلابة امرأة تعوّدت أن يُطلب منها، لا أن تطلب. امرأة تُعجب، تُصدّق، وربما تُلدغ. ساندي تقدّم كاراكتر امرأة قوية من الخارج، هشة من الداخل، لديها حضور يشبه الزجاج… يلمع نعم، لكنّه يتكسّر بسرعة حين يلامسه أحد بصدق.
كتابة محمود الحبّال وإخراج رندة علم… فكرة جميلة بتوقيع جريء
الفكرة بحدّ ذاتها لافتة: امرأة تدفع زوجها نحو امرأة أخرى لتصعد هي. ليست قصة خيال، بل مرآة لواقع يعيشه جيلٌ يُقاس نجاحه بالفرص السريعة، والتنازلات السهلة، والطرق المختصرة.
الكتابة تحمل بذرة فكرة قوية، والإخراج يعرف كيف يلتقط الواقع كما هو: دون تلميع، ودون مبالغة.
ثم تأتي النهاية… لتقلب الطاولة
هنا يكمن مربط النقد: النهاية.
أن يختار «ياسر» إنهاء حياة «مروى» ليُبقي «ملك» وطموحها… هو منعطف يفتح الباب على سؤال أكبر من الفيلم نفسه:
هل يمكن للطموح أن يتحوّل إلى وحشٍ يدفعك لتدمير الآخر كي تبقى؟
النهاية تُربك. لا لأنها صادمة، بل لأنها تأتي وكأنها من عمل مختلف.
نهايات الأعمال هذه الأيام أصبحت تُشبه «الحيلة الدرامية» أكثر مما تشبه الخلاصة الفلسفية. تنقلك من التعاطف إلى النفور، ومن الفكرة إلى السؤال: لماذا؟
لماذا نصل دائماً إلى نقطة تجعلنا نكره ما أحببناه في البداية؟
في المحصّلة… فيلم جميل الفكرة، متماسك الأداء، متعثّر الخاتمة
يبقى «إمرأة إلى القمّة» عملاً يحمل نقاط قوة واضحة: أداء متقن من تانيا فخري، وحضور صادق من جان دكاش، وشخصية لافتة تؤدّيها ساندي فرح.
لكنّه أيضاً فيلمٌ يتركك في النهاية أمام مرآةٍ ليست لك… مرآة تُريك طموحاً بلا روح، طريقاً مختصراً بلا أخلاق، وسؤالاً لا يريد أحد أن يسمعه:
ماذا نفعل حين يصبح الوصول إلى القمّة أهمّ من أن نبقى بشراً؟
شربل الغاوي
مخرج – صحافي وناقد سينمائي