Charbel El Ghawi Sawt El Fan

.

شربل الغاوي صوت الفن

عبد الله ياسين… كوميديا المأساة والمرآة – شربل الغاوي

عبد الله ياسين

عبد الله ياسين… كوميديا المأساة والمرآة

الكوميديا ليست دائمًا للترفيه فقط، أحيانًا تكون مرآة للوجع، وامتحانًا للضمير قبل أن تكون ابتسامة على الشفاه. ومع عبد الله ياسين، الذي يدخل إلى المسرح بلا ساقين، ويملك ثلاث أصابع في يده اليمنى وأربعًا في اليسرى، يجد المتفرّج نفسه بين ضحكةٍ تحرِّر وحرجٍ يقيِّد. فالكوميديا عنده ليست مجرّد نكات تُقال لتسلية عابرة، بل حياة تُروى من جسدٍ غاب عنه الكثير، وبقي فيه الأعمق.

جسدٌ يسبق النكتة

حين يطلّ عبد الله على المسرح، يفرض حضوره بصمته قبل أي كلمة. الصمت يتسلّل إلى القاعة، والعيون تتساءل: هل يجوز أن نضحك؟ وما إن يبدأ بالسخرية من واقعه، حتى يكسر الحاجز النفسي، فيحوِّل ما قد يثير الشفقة إلى مادّة ابتسام، ويجعل الضحكة طريقًا لفهمٍ أعمق للحياة.

النكتة التي تحوِّل الإحراج إلى قوّة

يروي عبد الله مواقف من حياته اليومية ليجعل منها مادّة فنيّة. في إحدى المرّات، تحدّث عن كيف عاتبت أمّه أخاه لأنّ حذاءه كان متّسخًا، بينما ضحك هو قائلاً: “أنا أمّي مستحيل تعاتبني على هالموضوع… ما عندي رجلين أصلاً.” فضجّت القاعة بالضحك، لأنّ المأساة هنا انقلبت إلى سخرية محرِّرة.

من Stand-up إلى Sit-down

عبد الله لا يقدّم Stand-up comedy بالمعنى التقليدي، بل كما يُحب أن يسمّيها: Sit-down comedy. يجلس ليحكي قصّته، لكن كلماته تنهض عالية، تملأ المسرح، وتؤكّد أنّ الفن لا يحتاج إلى ساقين ليقف، ولا إلى عشر أصابع كاملة ليكتب، بل إلى قلب يعرف كيف يحوِّل النقص إلى قوّة، والتفاصيل الجسدية إلى مساحة حرية.

إحراج المتلقي

الجمهور أمام عبد الله ليس مجرّد متلقٍّ سلبي. إنّه يعيش الحيرة بين أن يضحك بصدق أو أن يصمت بخشوع. أحيانًا تخرج الضحكة خجولة، وكأنّ المتفرّج يخاف أن يُساء فهمه. لكن هنا يكمن سرّ تجربة عبد الله: أنّه يجعل الضحك نفسه امتحانًا أخلاقيًا، لا مجرّد رد فعل عابر.

المأساة كأداة فنيّة

ما يقدّمه عبد الله ياسين ليس تهكّمًا على الذات، بل إعادة تعريف للكوميديا. فالكوميديا ليست حكرًا على مَن يملكون أجسادًا كاملة، ولا هي حكرٌ على السخرية من الآخرين. إنّها قد تولد من قلب المأساة، وتتحوّل إلى فعل مقاومة ضدّ القسوة، وإلى مرآة تعكس قوّة الروح.

بين الرحمة والفن

يبقى السؤال حاضرًا: هل يضحك الجمهور على عبد الله أم معه؟ هذا الخطّ الفاصل هو ما يمنح تجربته فرادتها. إنّه يحرّر الضحك من عقدة الذنب، ويحوّل المأساة إلى فنّ، من دون أن يفقد وقاره أو يُساوم على إنسانيته.

شربل الغاوي

مخرج – صحافي وناقد سينمائي

Leave a comment