
الممثلة ماري المر : شخصية الخادمة طغت على صورتي عند الزملاء
خمسة وعشرون عامًا من الشغف لم تكن عند ماري المر مجرّد رحلة مهنة، بل حكاية عمر ارتبط اسمه بالتمثيل. منذ خطواتها الأولى، كانت تعرف أنّ الكاميرا هي بيتها الحقيقي، وأنّ الوجه الأبيض العفوي الذي وُهب لها ليس مجرّد ملامح، بل لوحة تتبدّل وتتلوّن لتصنع أدوارًا تعيش بين الناس وتبقى في الذاكرة.
وجهها معبّر إلى حدّ أنّه يتغيّر بين مسلسل وآخر: مرّةً يصبح أمًا حنونة، ومرّة مديرة صارمة، وأحيانًا طبيبة تحمل وجع الآخرين. ولأنّ الفن مرآة للحياة، امتلكت ماري المر القدرة على أن تكون أكثر من امرأة، وأكثر من شخصية، وأكثر من حضور.
حضور بين الكبار
في مسيرتها، وقفت ماري المر أمام كبار الممثلين اللبنانيين والعرب: جورج خباز، ورد الخال، بديع أبو شقرا، ماغي بوغصن، ناتاشا شوفاني، جهاد الأطرش، باسم مغنية، طلال الجردي، ظافر العابدين، أيمن القيسوني، باسل خياط، منى واصف، ختام اللحام، محمود نصر، باميلا الكيك، وجاد أبو علي. أسماء كبيرة تقاسمت معها الكاميرا، لكنّها ظلّت محافظة على طبيعتها وعفويتها التي تجعلها أقرب إلى الناس لا إلى الألقاب.
لم يقتصر حضورها على الدراما، بل كانت الإعلانات مساحة أخرى لصوتها وصورتها، فشاركت في حملات لأهم المنتجات والمطاعم اللبنانية والعربية، فصار وجهها مألوفًا في البيوت، حاضرًا في تفاصيل الحياة اليومية.
بين المسلسلات والأفلام
شاركت ماري المر في عشرات المسلسلات، من “بالدم” إلى “ع أمل”، من “شهر ١٠” إلى “لا قبلك ولا بعدك”، ومن “العاصي” إلى “ثواني”، “طريق” و“الهيبة”. كل عمل كان لبنة جديدة في مسيرتها، خطوة إضافية نحو رسوخ اسمها في عالم التمثيل.
إلى جانب ذلك، خاضت تجربة السينما عبر أربعة أفلام، لتؤكّد أنّ حضورها لا ينحصر بالشاشة الصغيرة، بل يتّسع ليملأ الفضاء الكبير للشاشة الفضية.
الخادمة التي أرهقت صاحبتها
أقسى ما تعترف به ماري المر هو أنّ بعض الأدوار، وخصوصًا دور الخادمة، أرهقها خارج النص أكثر مما أرهقها داخله. فقد التصق بها في عيون بعض الزملاء إلى حدّ جعلهم يعاملونها كما لو أنّها هي الشخصية نفسها.
في الكواليس، كان هناك من يتجاهلها، من لا يلتقط صورة معها، من يتصرّف وكأنّها أقلّ شأنًا لمجرّد أنّها جسّدت شخصية وُجدت على الورق. همسٌ جارح يطبع التعامل، وصورة ظالمة علقت بها من دون وجه حق.
لكنّ ماري المر لم تنكسر. تقبّلت الدور كما هو، بدافع الشغف لا التنازل، وبحبّ لا ضعف. بالنسبة لها، الممثل الحقيقي لا يهرب من شخصية، بل يغوص فيها حتى النهاية. لعبت الأم والمديرة والطبيبة والخادمة، جميعها وجوه لامرأة ممثلة تؤمن أنّ قيمة الدور ليست في اسمه، بل في صدق أدائه. ومع ذلك، يبقى السؤال معلّقًا: لماذا لا يغفر الوسط الفني للممثلة أن تتجاوز صورة التصقت بها، فيما الجمهور وحده يعرف أن الوجه على الشاشة ليس سوى قناع يتبدّل؟
كوميديا العفوية وطموح لا يشيخ
في الكوميديا، تبدو ماري المر كأنّها وُلدت من رحم العفوية: ضحكتها صافية، طبيعية، بلا تصنّع، قادرة على انتزاع البسمة من قلب المشاهد. لكنّها تدرك أنّ الكوميديا أصعب من الدراما، لأنّها تحتاج إلى صدق مضاعف.
بعد خمسةٍ وعشرين عامًا، ما زال طموحها أن تأخذ شهرة تليق بمسيرتها الطويلة، وأن تجد الأدوار التي تمنحها موقعًا يوازي تعبها. لا تبحث عن أدوار للزينة ولا عن صورة بجانب نجم، بل عن مساحات تُتيح لها أن تترك أثرًا أبقى من مجرد ظهور عابر.
خاتمة
ماري المر هي ممثلة لم تعرف الاستسلام، حملت حقيبة من الأدوار المتنوعة ومشت بها في دروب الدراما والسينما والإعلانات. خمسة وعشرون عامًا من التعبير والملامح المتحوّلة، وما زالت تؤمن أنّ الطريق أمامها طويل، وأنّ التمثيل ليس مهنة عابرة، بل حياة تُعاش على المسرح وأمام الكاميرا وفي ذاكرة الجمهور.
لأنّها ببساطة تعرف أنّ الخادمة على الورق ليست خادمة في الحياة، وأنّ الممثلة التي تقبل كل دور بحبّ هي التي تكتب اسمها بالصدق، لا بالمظاهر ولا بالتصنيفات.
شربل الغاوي
صحافي وناقد سينمائي

Leave a comment