
سندريلا حكيّم تُضيء درب الحبّ بـالعمر مشوار
في عالمٍ يعجّ بالأصوات، يندر أن تجد صوتًا يحمل بين ثناياه وهج الروح وصدق الرسالة. سندريلا حكيّم ليست مغنية فقط، بل كيانٌ فنيّ يتجلّى في صوتها سحرٌ نادر، يجمع بين العذوبة والقوة، بين الإحساس والإتقان، بين الشجن والفرح. بصوتها السوبرانو الشرقي، لا تكتفي بالغناء، بل تُشعل في المستمع شعورًا غامرًا، كأنها تروي حكايةً لا تُنسى، أو ترفع صلاةً من القلب إلى السماء.
العمر مشوار … حين يُصبح الحبّ نشيدًا خالدًا
لم تكن العمر مشوار أغنية عابرة، بل سيمفونية تروي قصةً كُتبت بأحرف من نبض، كلماتها تنبض حبًا وإخلاصًا، وألحانها تتماوج بين الحنين والفرح، وكأنها تأخذنا في رحلةٍ نعيش فيها تفاصيل كل حبّ حقيقي.
بأنامل شاعرٍ مبدع، رسم الخوري طوني بو عساف الكلمات كأنها قصيدة تُحفر في الذاكرة، بينما أضفى روجيه كرموش على اللحن والتوزيع موسيقى تتراقص بين النغمات، تُحاكي القلوب قبل الآذان. جاء اللحن رقيقًا، لكنه شامخٌ كجبلٍ يحتضن قصة حبّ تنمو، تتحدى، وتستمر رغم الزمن.
بين الكلمات… قصيدة تُنشدها الحياة
تبدأ الأغنية كأنها افتتاحيةُ قصيدةٍ ملؤها الصدق
مشيتو سوا صار العمر مشوار
هنا، تختصر الجملة فلسفة الحبّ الأبدي: أن يمضي العاشقان جنبًا إلى جنب، ليُصبح الزمن مجرد لحظات تتناثر بين خطواتهما، فلا يعود العمرُ سنواتٍ فحسب، بل مشوارًا يُحفر في الوجدان.
ثم تأتي لحظة الفرح الخالص
قلبين يوم الفرح طرتو
بصوتها، تجعل سندريلا المستمع يعيش هذا المشهد، كما لو كان يراه بأمّ العين. صوتها يُحاكي الأجنحة التي تحلّق، والفرح الذي يرفرف في القلب كطائرٍ حرّ.
أما اللحظة التي يرتقي فيها الحبّ ليُصبح مملكة، فتظهر جليةً في
بعرس المحبة تاج الملك بالغار، انتي عروس المملكة وصرتو
هنا، يتجلّى مفهوم الحبّ المقدّس، ليس كحالةٍ عابرة، بل كعرشٍ يُتوّج بالتضحية والوفاء. الغار، رمزُ الانتصار والخلود، يُزيّن هذه العلاقة، كأن الزمن صار شاهدًا عليها، وكأن العشق بات مملكة لا يهدّها شيء.
ثم يفيض اللحن بنعومةٍ عاطفية تُشبه دفء المنازل التي تُبنى بالحبّ، حين تنساب الكلمات
بلون الفرح صوت النغم، عالعمر بتقولو نعم، بتفيض بالعيلة النعم، والبيت عمّرتو
وهنا، تتجاوز الأغنية المفهوم الرومانسيّ للحبّ، لترسم صورةً أعمق: الحبّ الذي لا يبقى محصورًا بين شخصين، بل يتحوّل إلى نعمةٍ تُبارك البيت، وتجعل منه حصنًا من الأمان والدفء.
أما المقطع الأخير، فهو أشبه بوصيةٍ تُهمَس في أذن كل قلبٍ أحبّ
كفو العمر خلو الجمر ولعان، جمر المحبة ولوع، درب التفاني طلوع
الجمر هنا ليس نارًا تُحرق، بل دفءٌ يُنير الطريق، يُشعل الوهج، ولا يدع الأيام تطفئه. دربُ التفاني لا يعرف الهبوط، بل هو طلوعٌ دائمٌ نحو قمّة المشاعر الحقيقية.
عبّو خوابي بيتكن إيمان، خلو الفرح بيناتكن، وعّو الصلح جواتكن، صبح ومسا بسماتكن، عالحزن سكّرتو
هذه ليست كلمات عادية، بل دروسٌ في الحبّ، تُترجمها سندريلا بصوتها، فتجعلها أكثر من أغنية، بل حكمةٌ تُردَّد، ونشيدٌ يُغنّى كلما أراد الحبّ أن يعلن انتصاره.
لحنٌ يحاكي الروح… وتوزيعٌ ينسج المشاعر
ببراعة روجيه كرموش، جاء اللحن والتوزيع كأنهما خيطان متداخلان، ينسجان سجادةً شرقية من الإحساس والدفء. الموسيقى تتدرّج، تبدأ كالنسيم، ثم تشتدّ شيئًا فشيئًا، كأنها تصعد بنا درجات الحبّ حتى نبلغ الذروة. الآلات الوترية تهمس، الإيقاعات تتنفس، وسندريلا… بصوتها، تمنح للحروف جناحين.
سندريلا حكيّم… حين يُصبح الغناء صلاةً، والترتيل نورًا في العتمة
لم يكن اختيارها للتراتيل محض صدفة، بل هو امتدادٌ طبيعيّ لصوتٍ يعرف كيف يُشعل النور في العتمة. من من عتم الإيام الجايي للقديس شربل، إلى بليلة برد، ووحدك بتخلص وطن، وع درب القداسة، تنقل صوتها كرسالة، تُعيد للتراتيل ألقها، وتجعلها صلوات حيّةً تتردّد بين الناس.
وفي أغنيتها الحلم ما بيموت، أبت سندريلا إلا أن تحمل صوتها ليكون شاهدًا على وجع بيروت. غنّت بدمع القلب، بصوتٍ يختزل ألمًا وأملًا، كأنها تُقاوم الخراب بأوتار حنجرتها، وتُعيد للحلم حقّه في البقاء.
أما في ستّي، بصوتها، منحت الشهيد خلودًا، جعلته أكثر من ذكرى، بل قصةً تُحكى، ووجعًا يُتلى، وكأنها تُعلن أن الحبّ أقوى من الموت، وأن الشهيد لا يموت طالما هناك من يُغنّي له.
أنا أحلم بمسرح وأوركسترا … حلمٌ يُشبه الحقيقة
وسط هذا العالم الصاخب، تظلّ سندريلا حكيّم تحلم. تحلم بمسرحٍ تقف عليه، تُغني، تحلق، تُلامس السماء بصوتها، تُرافقها أوركسترا تليق بصوتها وبفنّها. ليس حلمًا للترف، بل وعدٌ قطعته مع نفسها، مع صوتها، مع رسالتها.
في النهاية …
سندريلا حكيّم ليست مغنية فحسب، بل صوتٌ ينتمي إلى الضوء، يُنشد الأمل حين يشيع اليأس، يُعيد للأغنية معناها، وللتراتيل قدسيتها. في كل نغمةٍ تُطلقها، هناك قصةٌ تُحكى، ورسالةٌ تُبعث، وحلمٌ لا يزال في بداية مشواره الطويل.
الناقد السينمائي شربل الغاوي.
Leave a comment