Charbel El Ghawi Sawt El Fan

.

شربل الغاوي صوت الفن

دينا جمال : رحلة موسيقية متألقة بين التراث والاحتراف العالمي – شربل الغاوي

دينا جمال

دينا جمال : رحلة موسيقية متألقة بين التراث والاحتراف العالمي

حاورها الإعلامي شربل الغاوي، رئيس تحرير موقع بيروت الفن وصوت الفن

النشأة والبدايات

وُلدت دينا جمال في مدينة حلب لعائلة مسيحية متديّنة، حيث كان والدها مهندسًا ووالدتها محامية. نشأت في بيئة تقدّر العلم والثقافة، مما ساهم في صقل موهبتها الموسيقية منذ الصغر. كان لعائلتها والمدرسة الأرمنية التي درست فيها دور كبير في تسليط الضوء على موهبتها، مما دفعها نحو التعلم الأكاديمي في المجال الموسيقي.

بدأت رحلتها الفنية من خلال العزف على آلة الكمان ودراسة الغناء الشرقي في “المعهد العربي للموسيقى”، التابع للمعهد العالي للموسيقى في دمشق، وذلك بالتوازي مع دراستها في الأدب الإنجليزي، الذي أضاف إلى تكوينها الثقافي بعدًا أعمق.

تلقّت دعمًا كبيرًا من المعهد الموسيقي وفرقة الحجرة الأرمنية التابعة لمدرستها “كوميداس”، حيث شاركت في العديد من العروض الفنية التي هدفت إلى الحفاظ على التراث الموسيقي ونقله للأجيال القادمة. أدّت أعمالًا موسيقية لمؤلفين بارزين مثل الأستاذ نوري إسكندر، ونالت إشادة واسعة بصوتها القوي، حيث شُبّه أداؤها أحيانًا بأصالة نصري وأحيانًا أخرى بذكرى، مما زاد من حماسها ودفعها إلى تقديم المزيد.

إحدى المحطات الفارقة في مسيرتها كانت لقاؤها بالفنان الكبير صباح فخري، حيث سنحت لها الفرصة لأداء صوتها أمامه والاستماع إلى نصائحه الأكاديمية، ما شكّل دفعة قوية لها نحو الاحتراف.

التجارب الفنية والاحتراف

مع فرقة الحجرة، ساهمت دينا في توثيق العديد من الألحان التراثية الأرمنية، وقدّمت عروضًا بارزة على مسرح “الجمعية العمومية الأرمنية (AGBU)” و”دار الأوبرا في دمشق”، ما اعتبرته تجربة غنيّة جدًا عزّزت من فهمها العميق للتراث. لم يكن هذا التوثيق مجرد إعادة إحياء للألحان التاريخية، بل كان بمثابة نهج تعليمي تتمنى أن يستفيد منه كل محبّ للموسيقى.

أطلقت أولى أعمالها الخاصة خلال بدايات الحرب في حلب، حيث أصدرت أغنية “أنين الشهباء”، من ألحان عبدالباسط بكار وكلمات الشاعر وليد زغنون، معبّرة فيها عن صرخة إنسانية تتمنى أن تصل إلى ضمير العالم. كانت هذه الأغنية بداية احترافها الفني، قبل أن تتخذ قرارها الصعب بمغادرة سوريا عام ٢٠١٩، حيث واجهت تحديات لغوية وثقافية وجغرافية، إلا أن هويتها الموسيقية كانت جسرها نحو الاندماج في بلدها الجديد.

المسيرة في أوروبا والنجاحات العالمية

في عام ٢٠٢١، بدأت دينا رحلتها الموسيقية في بلجيكا، حيث انضمت إلى “الرعية الكنسية للسريان الكاثوليك”، وقدّمت خبرتها كمُرنّمة كنسية. لم يمضِ وقت طويل حتى سجّلت أغنية جديدة في استوديو ببلجيكا بعنوان “كيد النسا”، بمشاركة فنانين من المغرب العربي، من كلمات رحيم عبده وألحان كمال راضي، ما ساهم في انتشارها على نطاق أوسع.

على المستوى العالمي، شهدت مسيرتها تطورًا كبيرًا عندما اختيرت للمشاركة في عمل

دي بيكيرلينغ – DE Bekeerling

في دار الأوبرا البلجيكية، من تلحين الموسيقي العالمي ويم هندريكس (Wim Hendrickx)، الذي أُعجب بصوتها وطلب منها تقديم لحن يمثّل ثقافتها، ما فتح لها الباب لمشاركة ثانية في العمل الأوبرالي الشهير “La Clemenza di Tito”، بإخراج العالمي السويدي ميلو راو (Milo Rau)، حيث سجّلت لحنًا مستوحًى من السريانية في استوديو الأوبرا الخاص، مما أتاح لها إثبات هويتها الموسيقية على مستوى احترافي عالمي.

المشاريع الحالية والمستقبلية

رغم التحديات، استمرت دينا في السعي لتحقيق رؤيتها الفنية، فكانت أحد مؤسسي فرقة “Think Again”، وهي فرقة موسيقية مكوّنة من سيدات فقط، من خلفيات مهنية مختلفة مثل الطب والهندسة والتدريس، وهنّ جميعًا يدرسن الموسيقى في المعهد العالي الملكي في بلجيكا.

قدّمت الفرقة أولى حفلاتها في ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤، حيث أدّت دينا قصيدة “فرحًا بشيء ما” لمحمود درويش، من ألحان الفنانة سيلين دي ماتشيو (Celine De Maccio)، إلى جانب أداء أغانٍ تراثية مثل “آه يا زين” و“يما مويل الهوى”. تسعى حاليًا إلى إصدار أول ألبوم خاص بالفرقة على منصة Spotify، لكن الإجراءات القانونية المتعلقة بحقوق القصيدة لا تزال قيد الانتظار.

كما تعمل دينا على مشروع

Women Tribunal of 2026

وهو عمل فني يحمل رسالة قوية عن التحديات التي تواجهها النساء، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الثقافي أو القانوني، ويستخدم الفنون المختلفة، من غناء وعزف وتمثيل، كوسيلة للتوعية. سيتم تقديم المشروع في مرسيليا – فرنسا هذا العام، في محاولة لنقل صوت النساء إلى العالم عبر الفن.

الرؤية الفنية والرسالة الإنسانية

بالنسبة لـ دينا، الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو لغة عالمية تعبّر عن رقيّ الشعوب وقيمها. تؤمن بأن الموسيقى يمكن أن تكون وسيلة للتغيير والتوعية، وتطمح إلى تقديم منهج موسيقي يكون مرجعًا للأجيال القادمة. ورغم التحديات المادية والاجتماعية التي تواجهها، يبقى هدفها الأساسي هو توثيق التراث الموسيقي وخلق أعمال فنية ملهمة تعبر عن قضايا إنسانية جوهرية.

تختم دينا جمال حديثها قائلة

الفن بالنسبة لي هو بوصلة ترشدني وترشد الآخرين، والتحديات والتغيّرات ليست سوى محطات عابرة، لا يجب أن نستسلم عندها، بل علينا أن نمضي قدمًا، حاملين رسالتنا إلى العالم.

الناقد السينمائي شربل الغاوي.

Leave a comment