Charbel El Ghawi Sawt El Fan

.

شربل الغاوي صوت الفن

نتالي سلامة : بين شغف التمثيل ورياح التحديات – شربل الغاوي

نتالي سلامة

نتالي سلامة : بين شغف التمثيل ورياح التحديات

حاورها الإعلامي شربل الغاوي، رئيس تحرير موقع الصحافة

على مسرح يتأرجح بين الأمل والخيبة، حيث يمتزج ضوء الإبداع بظلال الوهم، تتألق نتالي سلامة كرمز للفن الراقي. ممثلة، كاتبة، ومخرجة، تسير بخطى واثقة في عالم تتداخل فيه مشاهد المسرح مع نبض الكاميرا، وحيث تُترجم الكلمات أحلاماً على الورق وتنثر ألوانها على الشاشة. تبقى نتالي وفية للفن في أنقى تجلياته، مستنشقة عمق الحقيقة في كل مشهد وكل كلمة، مرتقياً بإبداعه فوق قيود الزمان والمكان، فتصوغ حقيقة صادقة تتجاوز كل عائق.

رحلة علمية وفنية متكاملة

لم يكن دخول نتالي سلامة إلى عالم التمثيل وليد الصدفة، بل جاء تتويجًا لسنواتٍ من الدراسة والبحث والتعمّق في الفنون المسرحية. حصلت على شهادة في المسرح من معهد الفنون الجميلة – الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية عام ٢٠٠٨، كما نالت إجازة في اللغة العربية وآدابها من الجامعة ذاتها عام ٢٠٠٦، وأتبعتها بماجستير في إعداد الممثل عام ٢٠٢٣. هذا المزيج الفريد بين الأدب والفن منحها أدوات تعبير متكاملة، فأتقنت فن الأداء تمامًا كما تجيد الكتابة والإخراج.

بين السينما والتلفزيون والمسرح

حضورها في الدراما التلفزيونية كان لافتًا، إذ شاركت في العديد من الأعمال التي تركت بصمة في ذاكرة المشاهدين. من أبرز المسلسلات التي أدّت فيها أدوارًا متنوعة: زوج تحت الإقامة الجبرية إخراج نبيل لبّس، لا قبلك ولا بعدك إخراج جورج روكز، ورد جوري إخراج سمير حبشي، مش أنا إخراج جوليان معلوف، أماليا إخراج سمير حبشي، العشق المجنون إخراج زهير قنوع، اسمها لا إخراج أليبر كيلو، ذاكرة الجسد إخراج نجدت أنزور، وصية أب إخراج زياد نجّار، ومجنون ليلى إخراج سمير حبشي.

أما في السينما، فقد شاركت في فيلم قصة حياة نهاد الشامي للمخرج سمير حبشي، والذي لم يُعرض بعد. وعلى صعيد الإخراج والكتابة، قدّمت فيلمها القصير شخطة قلم، الذي جال في العديد من مهرجانات الأفلام القصيرة، مؤكّدًا قدرتها على تقديم رؤى سينمائية خاصة بها.

لكن يبقى المسرح حبّها الأول، حيث تألّقت في أعمال عديدة، منها: كلنا تقلا إخراج جهاد الأندري، من هناك إخراج ماريا باخوس، وإنسان. كما كتبت وأخرجت مسرحيات مميزة، منها الزودة، المقتبسة عن الكاتب جورج بيريك، ولما يموت. بالإضافة إلى ذلك، كتبت أكثر من ثلاثين مسرحية خلال عملها كمخرجة وكاتبة في مدرسة العائلة المقدسة.

ولأنها تؤمن بأهمية غرس حبّ المسرح منذ الصغر، أسّست Le Théâtre d’Ombres، وهو مسرح دمى يجمع بين اللغتين الفرنسية والعربية، ويقدّم عروضًا يؤديها الأطفال إلى جانب الدمى، في تجربة مسرحية تمزج بين الفانتازيا والواقع، ولا يزال هذا المسرح مستمرًا حتى اليوم.

المحترف التمثيلي: من التدريب إلى خشبة المسرح

إيمانًا منها بأهمية صقل المواهب الجديدة، تعمل نتالي سلامة اليوم على تحضير محترف تمثيلي يمتدّ على ستة عشر لقاءً تدريبيًا، يستهدف الكبار والصغار. لكن هذا البرنامج ليس مجرد دورة تدريبية، بل هو جسرٌ حقيقي نحو المسرح، حيث سيتم اختيار المتميزين للمشاركة في عمل مسرحي متكامل، ينتقلون فيه من مرحلة التدريب إلى التجربة الفعلية على الخشبة.

المقاعد محدودة، والمجال مفتوح للراغبين في خوض هذه التجربة الاستثنائية، سواءً لاكتشاف قدراتهم الفنية أو لاحتراف المسرح. للراغبين في الانضمام، يمكنهم التسجيل عبر الرقم: ٠٣٠٥٠٦٩١

رؤية نقدية للدراما اللبنانية

بواقعية ووضوح، تتحدث نتالي عن وضع الدراما اللبنانية، التي باتت شبه متوقفة، باستثناء بعض الإنتاجات التي تُصوَّر خارج البلاد. فقد تقلّص عدد الحلقات وانخفضت كلفة الإنتاج، مما أثّر سلبًا على فرص الممثلين اللبنانيين، الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع صعب، حيث تقلّ الأعمال وتنخفض الأجور، بينما تُعرض معظم المسلسلات القديمة بدلاً من إنتاجات جديدة.

وترى أن المنصات الرقمية، مثل شاهد ونتفليكس، أعادت تشكيل المشهد الفني، إذ باتت تستقطب جمهورًا واسعًا على حساب المحطات الأرضية، مما غيّر ديناميكيات الإنتاج والعرض.

أما بالنسبة لها شخصيًا، فلم تعد العروض التمثيلية المتاحة تتناسب مع ظروفها، لا سيما تلك التي تتطلب السفر لفترات طويلة، إذ لا يمكنها الابتعاد عن عائلتها لمدد تتراوح بين ثمانية أشهر وسنة. لذا، وجدت في المسرح ملاذها، رغم التحديات التي واجهتها، حيث توقّف عرض مسرحيتها بسبب الحرب، واضطرت إلى تبديل بعض الممثلين بسبب الظروف الصعبة.

بين الأحلام والواقع

لا تخطط نتالي للمستقبل البعيد، فالحياة في لبنان غير مستقرة، حيث تتأرجح البلاد بين الأزمات الاقتصادية، انهيار العملة، الاضطرابات السياسية، وحتى الحروب. هذه التقلبات فرضت عليها التكيّف مع الواقع، رغم أحلامها وطموحاتها الكثيرة.

فقد خسرت في المرة الأولى مركزًا للتسلية والترفيه مع مسرح الدمى بسبب جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية، وفي المرة الثانية، أجّلت الحرب عرضًا مسرحيًا من كتابتها وإخراجها، مما اضطرها إلى إعادة تشكيل فريق العمل بسبب تبدّل الممثلين. كما تعطّل عرضان مسرحيان للأطفال كانت تعمل عليهما بسبب الأوضاع الأمنية.

ومع ذلك، تبقى نتالي متمسكة بالأمل، وتسعى لاستئناف نشاطاتها المسرحية من خلال المحترف التمثيلي الذي تعمل عليه، واضعةً كل طاقتها في خلق مساحة إبداعية جديدة، حيث يمكن للفن أن يستمرّ رغم كل التحديات.

نتالي سلامة: الفنّ كرسالة وصمود

في مسيرة حياتها، حيث يواجه البعض التحديات ويستسلمون لها، يواصل آخرون المضي قدمًا رغم كل الصعاب. تبقى نتالي سلامة مثالًا للمثابرة والشغف. ممثلة لا تعرف الاستسلام، كاتبة لا ينضب قلمها، ومخرجة لا تكلّ عن السعي وراء رؤيتها المسرحية. بين التحديات والإنجازات، تظل رسالتها ثابتة: المسرح حيّ، الدراما مستمرة، والفنّ، مهما ضاقت به المساحات، سيجد دائمًا طريقه إلى الضوء.

الناقد السينمائي شربل الغاوي.

Leave a comment