Charbel El Ghawi Sawt El Fan

.

شربل الغاوي صوت الفن

كريستين زينو : صوت السريانية في فضاء الفن العالمي – شربل الغاوي

الفنانة كريستين زينو

كريستين زينو : صوت السريانية في فضاء الفن العالمي

في عالم تتسارع فيه إيقاعات العصر وتتقاطع فيه الفنون والثقافات، تظهر كريستين زينو كصوت مميز يحمل عبق التراث السرياني العريق إلى آفاق أرحب. ليست مجرد مغنية تؤدي الألحان، بل هي عنوان لهوية ثقافية أصيلة وقصة إنسانية تتحدث بلغات متعددة ونغمات متجددة، تجمع بين أصالة الماضي وروح الابتكار.

النشأة والبدايات

وُلدت كريستين زينو في عائلة متمسكة بتراثها السرياني الغني، وترعرعت في أجواء تحفّها الموسيقى والفنون. أظهرت منذ طفولتها شغفًا بالفن والموسيقى، فقررت صقل موهبتها من خلال دراسة الغناء الشرقي والعزف على آلة القانون في المعهد الوطني العالي للموسيقى. هذا التكوين الأكاديمي كان اللبنة الأولى لمسيرة فنية واعدة. وفي موازاة حبها للموسيقى، تابعت دراستها الأكاديمية في الجامعة اللبنانية، حيث تخصصت في الأدب الفرنسي، مما أغنى شخصيتها بمزيج من الثقافة والفكر.

الخطوة الأولى في طريق الفن

بدأت كريستين زينو مشوارها الفني كمرنمة، وكانت باكورة أعمالها ترنيمة سريانية للقديس مار يعقوب البرادعي، من ألحان الأب كميل إسحاق وكلمات المحامي نوري إيشيع. شكّلت هذه الترنيمة علامة فارقة في مسيرتها، إذ جسدت من خلالها ارتباطها بجذورها السريانية، وقدمتها في إطار يبرز جمال هذا التراث الموسيقي العريق.

ما يميز هذه البداية أنها لم تكن مجرد عمل فني، بل كانت رسالة ذات أبعاد إنسانية وثقافية تهدف إلى إحياء التراث السرياني من خلال الفن. بالنسبة لكريستين، السريانية ليست مجرد لغة أو إرث ديني، بل هي ثقافة تحمل معاني إنسانية عميقة يمكن التعبير عنها بأساليب فنية متنوعة.

التجديد والانفتاح على العالم

لم تتوقف كريستين عند حدود الترانيم التقليدية، بل سعت إلى إعادة تقديم الأغاني السريانية والآشورية في قالب عصري يعكس روح الحداثة. انطلقت أولى خطواتها العالمية من خلال أداء أغانٍ تجمع بين اللغة العربية والتركية، بالتعاون مع موسيقيين أردنيين مثل عبد الرحمن الحتو وعبد الرحمن الزيبق. صُوّرت هذه الأعمال الفنية في كل من لبنان والأردن والصين، مما أضاف بعدًا عالميًا لرؤيتها الفنية.

كما سجلت كريستين أغانيها بدقة عالية في قبرص وفرنسا، مستخدمة تقنيات إنتاج متطورة لإبراز جمال التراث السرياني بأسلوب حديث، مع الحفاظ على جوهره الأصيل.

دمج الثقافات من خلال الموسيقى

من أبرز المحطات في مسيرتها الفنية تعاونها مع الفنان الكندي مات مارديني في عمل دمج بين ترتيلة سريانية وأخرى باللغة الإنجليزية. أضاف هذا المشروع بعدًا جديدًا لتجربتها الفنية، إذ أظهر كيف يمكن للموسيقى أن تكون وسيلة للتقريب بين الثقافات والشعوب، وذلك بفضل التوزيع الموسيقي المتقن الذي أعده الموزع فادي جيجي.

رسالة إنسانية تتجاوز حدود الفن

كريستين زينو ليست فنانة تبحث عن الأضواء، بل هي حاملة لرسالة ثقافية وإنسانية. ترى في صوتها وسيلة لإبراز الهوية السريانية كقومية ذات تاريخ عريق وثقافة غنية. تقول كريستين:

رسالتي ليست مجرد عمل فني، بل هي انعكاس لجذوري وتراثي. أؤمن بأن الفن جسر يربط بين الثقافات ويعزز التواصل الإنساني.

أظهرت هذه الرؤية في كل أعمالها، حيث أدت أغاني بعدة لغات، أبرزها العربية والسريانية والتركية والآشورية، لترسّخ بذلك مفهوم التنوع الثقافي وتعزز الحوار بين الحضارات.

التحديات والإصرار

رغم غياب الدعم الرسمي من أي جهة سريانية، بقيت كريستين زينو متمسكة برسالتها. اعتبرت هذا التحدي فرصة لإثبات قدرتها على إبراز التراث السرياني بجهودها الذاتية. تقول مستلهمةً من كلمات الأديب علي الطنطاوي

واعلموا أن مهمتكم ليست في ورقة تنالونها، ولكن أمة تحيونها.

كانت هذه الكلمات بمثابة دافع قوي لها للاستمرار في رحلتها رغم العقبات، مؤكدة أن رسالتها الفنية هي كنز ثمين يستحق الإصرار والعمل الدؤوب.

انتشارها الإعلامي

استطاعت كريستين من خلال رسالتها الفنية المميزة أن تصل إلى قلوب جمهور واسع، مما جعلها ضيفة على العديد من القنوات اللبنانية والعربية. كما تلقت دعوة من قناة تبث من تركيا للمشاركة بأداء أغانٍ بلغات مختلفة، منها السريانية والآشورية والعربية والتركية، في خطوة تهدف إلى تسليط الضوء على التنوع الفني الذي تقدمه.

الاستقرار في فرنسا والانطلاقة الجديدة

اختارت كريستين زينو الاستقرار في فرنسا، حيث وجدت بيئة حاضنة لإبداعها الفني. واصلت هناك إنتاج المزيد من الأغاني والترانيم التي تعكس التراث السرياني، مؤمنة بأن الفن هو اللغة العالمية التي تجمع الشعوب وتغذي القيم الإنسانية المشتركة.

خاتمة:

كريستين زينو ليست مجرد فنانة أو مرنمة، بل هي رمز للمرأة المثقفة والمبدعة التي تسعى للحفاظ على تراثها ونشره عالميًا. بأعمالها ورسالتها، أثبتت أن الفن يمكن أن يكون أداة للتغيير الإيجابي، وجسرًا للتواصل بين الثقافات المختلفة.

في عالم يتسارع فيه إيقاع الحياة وتتداخل فيه الهويات، يبقى صوت كريستين زينو شاهداً على التراث السرياني، ودعوة إلى الاحتفاء بالتنوع الثقافي الذي يعكس عمق الإنسانية وجمالها.

الناقد السينمائي شربل الغاوي.

Leave a comment