
منال بو ملهب : صوتٌ أصيلٌ يروي حكايات الشرق
عندما يتردد اسم منال بو ملهب في الوسط الفني، يسطع ضوءٌ يعيد للأذهان زمن الفن الأصيل. فنانة لبنانية، مبدعة ومتألقة، تخصصت في الغناء الشرقي التقليدي، واستطاعت أن تحافظ على جماليات هذا اللون الفني في زمنٍ ازدحمت فيه الساحة بألوانٍ موسيقية حديثة. صوتها يحمل عبق الماضي وأصالة التراث، ليصل إلى جمهورٍ يعشق السلطنة ويهوى الكلمة المعبّرة والنغمة الراقية.
مسيرتها الفنية: إحياء التراث وصقل المواهب
منال ليست مجرد مطربة عادية، بل هي رمزٌ لصوتٍ أصيل يحمل في طياته حكايات الشرق وجمالياته. تتنوع موهبتها بين أداء الأغاني العربية التقليدية، الفلكلور الشرق أوسطي، والترانيم المارونية. ويشهد الجميع بأنها صوت استثنائي لا يخشى خوض غمار الأغاني التي اشتهر بها عمالقة الغناء من الرجال، ليؤكد مدى قوتها وثقتها بنفسها.
تملك منال خلفية موسيقية متينة كعازفة عود محترفة ومدربة بارعة. هذه الموهبة لم تقتصر على تقديم العروض الموسيقية فقط، بل امتدت إلى تدريب المواهب الصاعدة، لتؤكد على التزامها برفع مستوى الموسيقى الشرقية والحفاظ على إرثها.
طلع البدر علينا، ومهرجان البستان الدولي
في مارس ٢٠٢٤، شاركت منال في واحدةٍ من أبرز المحطات في مسيرتها الفنية ضمن مهرجان البستان الدولي للموسيقى. كان الحفل بعنوان “طلع البدر علينا”، وأدت خلاله مجموعة من الترانيم الكنسية والأغاني الكلاسيكية برفقة جوقة برنامج زكي ناصيف التابعة للجامعة الأميركية في بيروت، تحت قيادة المايسترو فادي يعقوب.
الحفل كان أشبه برحلة روحية عميقة، أبحر فيها الجمهور مع صوت منال الذي زاد جمالاً ورهبة مع الأداء المميز لأغانٍ مثل “حنانك يا رب الأكوان” و“زوروني كل سنة مرة”. كانت التجربة شهادةً حيةً على قدرة منال على المزج بين روحانية الترانيم وأصالة الفن الكلاسيكي العربي.
شراكتها مع غسان صليبا: لقاء العمالقة
ليس من السهل أن تختار قامة فنية كالفنان الكبير غسان صليبا شريكًا لها في العديد من حفلاته الموسيقية. اختيار صليبا لمنال للغناء على المسرح إلى جانبه لم يكن مجرد صدفة، بل اعترافًا صريحًا بمكانتها الفنية.
في كل مرة تصعد فيها منال إلى المسرح بجانب صليبا، يكون الجمهور على موعدٍ مع حالة فنية استثنائية، تمتزج فيها القامات الأصيلة بجمال الأداء، وتُشعل فيها نيران الطرب الأصيل.
لمسة فيروز وسحر سيد درويش
تتميز منال بو ملهب بقدرتها على أداء أغانٍ خالدة لفنانين كبار مثل السيدة فيروز وسيد درويش. غناؤها لأغنية “أهواك” للسيدة فيروز يأخذ المستمعين إلى ضفاف الجمال والهدوء، حيث يتجلى صوتها وكأنه مرآةٌ تعكس رقة وحساسية اللحن الفيروزي. أما أداؤها لأغنية “خفيف الروح” لسيد درويش، فهو تأكيد على أنها تمتلك صوتًا يعبر بجرأة وثقة، ليعيد إحياء تراث العمالقة بإحساسٍ لا نظير له.
صوتٌ للسلطنة ووجدان الروح
صوت منال بو ملهب ليس مجرد أداةٍ لإبهار الجمهور، بل هو جسرٌ يأخذهم إلى عالمٍ من السلطنة والوجدان. تلك النغمات التي تنبع من قلبها تصيب مباشرةً قلوب المستمعين، وتجعلهم يعيشون لحظاتٍ من السمو الروحي والفني. غناؤها ليس مجرد كلماتٍ وألحانٍ، بل تجربةٌ متكاملة تُشعر الجمهور بعمق الجمال وسحر الموسيقى.
عازفة ومطربة ومدربة: فنٌ متكامل
بعيدًا عن الغناء، تظهر منال كعازفة عود مميزة تُجيد التعامل مع هذا الآلة الشرقية بمهارة وإحساس. وبصفتها مدربة موسيقية، تسعى إلى نقل خبراتها ومهاراتها إلى الأجيال القادمة، لتضمن استمرارية هذا الفن الأصيل الذي نذرته حياتها لخدمته.
التزام بالفن وإرث الماضي
ما يميز منال بو ملهب هو قدرتها على الحفاظ على توازنٍ دقيق بين الإرث الموسيقي التقليدي وروح العصر. صوتها لا ينتمي فقط للحاضر، بل يربط المستمعين بماضٍ عريقٍ، يعيد لهم ذكريات الزمن الجميل، ويغرس فيهم الأمل بمستقبلٍ موسيقي مشرق.
منال بو ملهب : صوتٌ أصيلٌ يروي حكايات الشرق
منال بو ملهب ليست فقط مطربة لبنانية بارعة، بل هي رمزٌ للإبداع الأصيل وعلامةٌ فارقةٌ في عالم الموسيقى الشرقية. من خلال صوتها وأدائها الاستثنائي، أثبتت أنها واحدة من القلائل القادرات على نقل التراث بحبٍ وإتقان، ليبقى حاضرًا في قلوب عشاقه. إنها ليست مجرد فنانة، بل أيقونةٌ تسير بثباتٍ على طريق الخلود الفني، مخلّفة وراءها بصمةً لا تُمحى.
الناقد السينمائي شربل الغاوي.
Leave a comment